التعريف بالشاعر : حسان بن ثابت الأنصاري : هو أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي من الشعراء المُخَضْرَمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام (عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي الإسلام ستين أخرى) ، اشتهر بمدحه الغساسنة ، ولما دخل في الإسلام أوقف شعره على الدفاع عن الدين ورسول الله – – والرد على خصومه لذلك كني بأبي الحسام ، وكانت نهاية رحلة حياته في عهد معاوية سنة 54 هـ . وقد قال هذه القصيدة في رثاء الرسول – – يذرف فيها العبرات على قبره . تمهيد : تجلت القيم النبيلة في رسول الله – – فقد كان رءوفاً بالمؤمنين رحيماً بهم ، وامتدت رحمته إلى الحيوان ، وعندما انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يتوقف الشعراء عن ذكر محاسنه كما في أبيات حسان بن ثابت التي يعبر فيها عن المصاب الفادح .
بيئة النص :
ينتمي هذا النص إلى عصر صدر الإسلام ، وهو يؤكد حب الصحابة للرسول – – حيث وجَّه الشاعر إبداعه للدفاع عن الإسلام وعن الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أطلق عليه شاعر الرسول – – . والشاعر هنا متأثر بفقد الرسول – – .
س1 : من الشاعر المُخَضْرَم ؟ جـ : الشاعر المُخَضْرَم هو مَنْ أَدرك الجاهلية والإِسلام .
س2 : اذكر شعراء مخضرمين غير حسان ابن ثابت . جـ : من الشعراء المخضرمين : كعب بن زهير بن أبي سلمى – الخنساء – لبيد بن ربيعة – الحطيئة .
الأبيــــــــــــــــــــات
الشطر الأول (الصدر)
الشطر الثاني (العجز)
بِطَيْبَةَ رَســمٌ لِلرَسـولِ وَمَعهَدُ
مُنيرٌ وَقَد تَعفو الرُسومُ وَتَهمَدُ
أَطالَتْ وُقوفاً تَذرِفُ العَينُ جُهدَها
عَلى طَلَلِ القَبرِ الَذي فيهِ أَحمَدُ
فَبورِكتَ يا قَبرَ الرَسولِ وَبورِكَت
بِلادٌ ثَوى فيها الرَشيدُ المُسَدَّدُ
إِمامٌ لَهُم يَهـديهِمُ الحَـقَّ جـاهِداً
مُعَلِّمُ صِدقٍ إِن يُطيعوهُ يَســعَدوا
عَفُوٌّ عَنِ الزَلّاتِ يَقبَلُ عُذرَهُــم
وَإِن يُحســِنوا فَاللَهُ بِالخَيرِ أَجوَدُ
عَزيزٌ عَلَيهِ أَن يَحيدوا عَنِ الهُدى
حَريصٌ عَلى أَن يَستَقيموا وَيَهتَدوا
عَطوفٌ عَلَيهِم لا يُثَنّي جَــناحَهُ
إِلى كَنَفٍ يَحـــنو عَلَيهِم وَيَمهَدُ
فَجودي عَلَيهِ بِالدُموعِ وَأَعوِلي
لِفَقدِ الَذي لا مِثلُهُ الدَهرُ يوجَدُ
وَما فَقَدَ الماضونَ مِثلَ مُحَـمَّدٍ
وَلا مِثلُهُ حَتّى القِيامَةِ يُفــقَدُ
1. 📍 الوصف والتأثر بالمقام الشريف (الأبيات 1-3)
العنصر
شرح مبسط
ذكر المكان والوصف (1)
تبدأ القصيدة بوصف المدينة المنورة (طيبة)، حيث يوجد أثر ومقام الرسول (رسم ومعهد). يصف هذا الأثر بأنه مُنيرٌ، ويقارن بينه وبين الآثار الأخرى التي قد تندثر وتزول (تعفو الرسوم وتهمد)، ليؤكد أن أثر النبي خالد لا يزول.
حال الشاعر عند القبر (2)
يصف الشاعر طول وقوفه عند قبر النبي أحمد، مشيراً إلى شدة تأثره وحزنه، فعيناه تذرف الدموع بغزارة وعناء (تذرف العين جهدها) على هذا الطلل (ما تبقى من آثار الديار/القبر).
الدعاء للمقام والبلاد (3)
يدعو الشاعر بالبركة لقبر الرسول (فبوركت يا قبر الرسول)، ويدعو بالبركة كذلك للبلاد التي ضمت جسده الطاهر (ثوى فيها)، واصفاً النبي بأنه الرشيد المُسَدَّد (صاحب الرشد والتوفيق).
2. ✨ صفات النبي القائد والمعلم (الأبيات 4-7)
هذه الأبيات تصف النبي صلى الله عليه وسلم كإمام ومعلم وقائد لأمته:
العنصر
شرح مبسط
صفة الإمامة والتعليم (4)
يصف النبي بأنه إمام وقائد للأمة، يبذل كل جهد ليرشدهم إلى الحق (يهديهم الحق جاهداً). وهو مُعلِّم صدق، ومن يطيعه ينال السعادة في الدنيا والآخرة (إن يطيعوه يسعدوا).
صفة العفو والكرم (5)
يصفه بـالعفو عن أخطاء الناس (عن الزلات)، ويقبل أعذارهم. وإذا قاموا بعمل حسن، فإن فضل الله وجوده عليهم سيكون أكبر وأجود مما فعلوه (وهو كمال في وصفه لحاله مع ربه).
صفة الحرص والرحمة (6)
يبين شدة حبه لأمته وحرصه عليهم؛ فمن الصعب والشديد على قلبه (عزيزٌ عليه) أن يضلوا أو يبتعدوا عن طريق الهداية (أن يحيدوا عن الهدى). وهو شديد الحرص على أن يلتزموا الطريق الصحيح ويسترشدوا به (أن يستقيموا ويهتدوا).
صفة العطف والحنان (7)
يصفه بـالعطف الكبير عليهم، فلا يمتنع عنهم، بل يمد لهم جناحه (رمز للحماية والرعاية) يحنو عليهم ويُمهِّد لهم الحياة الطيبة والآمنة (يوفر لهم الكنف والملاذ).
3. 💔 الحزن على الفقد وعظمة المُصَاب (الأبيات 8-9)
العنصر
شرح مبسط
طلب البكاء والنواح (8)
يوجه الشاعر الخطاب لنفسه أو للعين طالباً منها أن تكثر من الدموع وأن تعلن الحزن الشديد (أعولي)، لأن هذا الفقد هو فقد لشخص لا يوجد مثله في هذا الزمان (لا مثله الدهر يوجد).
خاتمة العظمة والتفرد (9)
يؤكد الشاعر أن الأجيال التي سبقت (الماضون) لم تفقد شخصاً بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولن يُفقد مثله من الوجود حتى يوم القيامة، دلالة على تفرده وعظم مصاب فقده.
📝 تحليل القصيدة ونقدها الأدبي (قصيدة حسان بن ثابت)
يتناول هذا التحليل الأغراض الشعرية، وعصر النص، وخصائص الشاعر حسان بن ثابت الأسلوبية والنفسية:
أولاً: الغرض الشعري والعصر الأدبي
الغرض الشعري:الرثاء (الأسى على فقد النبي صلى الله عليه وسلم)، ويتضمن في باطنه المدح لصفاته وسجاياه العظيمة.
العصر الأدبي:عصر صدر الإسلام.
ثانياً: الشاعر والعاطفة المسيطرة
لقب الشاعر: لُقِب حسان بن ثابت بـ**”شاعر الرسول”**؛ لأنه كرس موهبته للدفاع عن الدين الإسلامي والنبي محمد، والرد على هجاء أنصار الجاهلية.
العاطفة المسيطرة: عاطفة الحزن الشديد والأسى على فراق خير الأنام، وهي ممزوجة بـالإعجاب والانبهار بصفات الرسول التي لا مثيل لها.
ثالثاً: الخصائص الأسلوبية والفنية
السمة
التفصيل والإيضاح
التعليل والسبب
سهولة الأسلوب واللغة
أسلوبه سهل واضح، متأثر بقيم ومبادئ الإسلام، وبالألفاظ والمعاني القرآنية.
التأثر بالمعجم الجديد من القرآن الكريم والهدي النبوي (مثل: الرسول، يطيعوه، الهدى، القيامة).
الصور الخيالية
قليلة، ولكنها مُعبرة عن فكرة الشاعر ومتسقة مع عاطفته.
اعتماد الشاعر على الألفاظ الموحية في تقرير صفات الرسول العظيمة، بدلاً من التكلف في الصور.
الأسلوب الإنشائي والخبري
الاعتماد على الأسلوب الخبري في معظم الأبيات.
لـتقرير وتوكيد صفات الرسول العظيمة التي جعلته خير البشرية.
بحر القصيدة
من بحر الطويل.
يستخدمه الشعراء في الموضوعات الجادة غالباً ليناسب عاطفة الشاعر الحزينة.
رابعاً: ملامح الشخصية وتأثير البيئة
ملامح شخصية الشاعر:مؤمن صادق الإيمان، قوي العاطفة، شديد الإدراك لعظمة الرسول، وموهوب متميز (كان يقول الشعر ارتجالاً).
أثر البيئة في النص: ظهر تأثر الشاعر بالبيئة الجاهلية التي عاصرها في البدء بالوقوف على الأطلال وبكاء الديار وذكر الرسوم (رغم أن الموضوع إسلامي)، حيث كان هذا البناء تقليدياً للقصيدة العربية.
🎨 التذوق الفني والتحليل البلاغي (الأبيات 1-3)
1. تحليل البيت الأول: (بطيبةَ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ / منيرٌ وقد تعفو الرسومُ وتهمدُ)
كلمتا “رسم” و “معهد” جاءتا نكرتين، وغرض نكرتهما هو التعظيم لقدر هذا الأثر والمقام.
استعارة مكنية
في قوله: “بطيبةَ .. معهد منير”، تصور قبر الرسول بأنه نجم منير، مما يوضح رفعة وسمو قدر الرسول صلى الله عليه وسلم.
“قد” مع المضارع
“قد تعفو الرسومُ وتهمد”، يفيد حرف “قد” مع الفعل المضارع هنا الشك في زوال الآثار الأخرى، بينما الفعل المضارع يفيد التجدد والاستمرار.
محسن بديعي
(معهد – تهمد): يشكلان تصريعاً (اتفاق نهاية شطري البيت الأول) يمنح جرساً موسيقياً محبباً. ويوجد أيضاً جناس ناقص بينهما.
2. تحليل البيت الثاني: (أطالتْ وقوفاً تذرفُ العينُ جهدها / على طللِ القبرِ الذي فيهِ أحمدُ)
العنصر البلاغي
الشرح والتأويل
كناية عن الحزن
“أطالتْ وقوفاً تذرفُ العينُ جهدها”، كناية عن شدة الحزن والأسى على فراق الرسول. سر جمال الكناية: الإتيان بالمعنى مصحوباً بالدليل عليه في إيجاز وتجسيم.
استعارة مكنية (تشخيص)
“تذرفُ العينُ جهدها”، حيث صور العين بإنسان يقف ويبكي بحرقة، سر جمالها التشخيص، وتوحي بشدة الأسى.
دلالة التعبير
“تذرفُ العينُ” تعبير يدل على غزارة الدموع المنهمرة حزناً.
مفاضلة لغوية
“تذرفُ العينُ” أدق من “تبكي العينُ”؛ لأن الذرف هو سيلان الدمع بغزارة (كثير)، بينما البكاء قد يكون مجرد انحباس أو صوت (وتبكي العين أعم وأقل تخصيصاً)، فـ “تذرف” توحي بحدة وشدة الحزن أكثر.
كناية عن العظمة
“على طللِ القبرِ الذي فيهِ أحمدُ”، كناية عن عظمة القبر لعظمة من يرقد فيه.
(عفو – عزيز – حريص) صيغ مبالغة تدل على كثرة هذه الصفات في الرسول وحرصه على أمته.
4. تحليل البيت السابع: (عطوفٌ عليهمْ ، لا يثني جناحهُ / إلى كنفٍ يَحنو عليهم ويمهدُ)
العنصر البلاغي
الشرح والتأويل
كناية عن العطف
“عطوفٌ عليهمْ ، لا يثني جناحهُ…” كناية عن العطف والرفق بالناس والرعاية التامة.
مجاز مرسل
كلمة “جناحه” مجاز مرسل عن الرحمة وعن الحماية (كما في الطائر الذي يضم صغاره تحت جناحه). سر جمال المجاز: الدقة والإيجاز.
إطناب بالترادف
(عطوف – يَحنوُ) إطناب بالترادف يؤكد ويقوي المعنى.
الخلاصة النهائية للأبيات (4-7)
ملاحظة هامة: جاءت الأساليب في الأبيات من (4-7) كلها خبرية؛ لـتقرير وتأكيد الصفات الرائعة التي اتسم بها الرسول صلى الله عليه وسلم، واستحق من خلالها أن يكون خير البشر.
💔 التذوق البلاغي لبيتي الختام (الأبيات 8-9)
1. تحليل البيت الثامن: (فجودي عليهِ بالدموعِ وأعولي / لفقدِ الذي لا مثلهُ الدَّهرِ يوجدُ)
العنصر البلاغي
الشرح والتأويل
أسلوب إنشائي
“فجودي وأعولي” أسلوب إنشائي (أمر)، غرضه التمني وإظهار الحزن والحسرة الشديدة، والحث على البكاء الغزير.
علاقة الجمل
علاقة (فجودي) بما قبلها من أبيات هي نـتـيـجـة (للتأثر الشديد بذكر صفات النبي ومقامه).
استعارة مكنية (تشخيص)
“فجودي عليهِ بالدموعِ وأعولي” تصور العينين بإنسان يُؤمر بالبكاء، سر جمال الصورة هو التشخيص، وتوحي بشدة الحزن والحسرة.
علاقة الجمل
“لفقدِ الذي لا مثلهُ الدَّهرِ يوجدُ” علاقة الجملة بما قبلها هي تعليل (لماذا يجب أن تجود العين بالدموع؟).
كناية عن علو المنزلة
“لفقدِ الذي لا مثلهُ الدَّهرِ يوجدُ” كناية عن علو منزلة الرسول وتفرده بين البشر.
2. تحليل البيت التاسع: (وما فقدَ الماضونَ مثلَ محمدٍ / ولا مثلهُ ، حتّى القيامةِ ، يفقدُ)
العنصر البلاغي
الشرح والتأويل
كناية عن التفرد
“وما فقدَ الماضونَ مثلَ محمدٍ ولا مثلهُ ، حتّى القيامةِ ، يفقدُ” كناية عن علو قدر ومنزلة الرسول الكريم وتفرده المطلق بين البشر (في الماضي والحاضر والمستقبل).